في نقد الأُسس النظرية لبيداغوجيا الإدماج
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
في نقد الأُسس النظرية لبيداغوجيا الإدماج
جاء تبني بيداغوجيا الإدماج في سياق دولي لا حديث فيه سوى عن الرأسمال والموارد، في ظل أزمة متنامية على المستوى العالمي، وهذا يبدو جليا من خلال الميولات الاقتصادية
في أدبيات هذه البيداغوجيا: حاجيات، موارد، تأهيل، إدماج، تنمية، رسملة... وما إلى ذلك. وقد جاءت، كما يرى أصحابها في ما يعرف بمكتب هندسة التربية والتكوين (Le BIEF)، تحديدا، كجواب على الإقصاء الذي يعاني منه العديد من الأطفال البالغين سن التمدرس من ولوج التعليم الإلزامي إلى حدود 15 سنة، أي ما يوازي الابتدائي والإعدادي، مما قد يعتبر نقطة مضيئة تحسب لهذه البيداغوجيا.
كما هو معروف، يتحدث باسم هذا المكتب الدولي ناشطون تربويون ومستثمرون في هذا المجال، أبرزهم كزافيي روجيرز، باعتباره مختصا في تقديم خدمات في مجال التربية والتكوين وتدبير المشاريع للعديد من الدول، بموجب التعاقدات المبرمة مع المكتب المشار إليه مثل: بلجيكا، سويسرا، لبنان... وللإشارة، فقد استفاد هذا الخبير، بشكل ملفت في الآونة الأخيرة، من تطويره لما راكمه زميله جان ماري دوكيتيل في نفس المجال. ويعتبر المغرب من بين الدول التي اعتمدت منهجية روجيرز، في إطار توطين بيداغوجيا الإدماج ضمن النظام التعليمي، وتحديدا في السلكين الابتدائي والإعدادي منه. باختصار شديد، تطلبت هذه العملية الاستعانة بـ10 خبراء دوليين من المكتب كُلِّفوا بتأطير وإعداد 35 خبيرا وطنيا في إطار مهام المركز الوطني للتجديد البيداغوجي والتجريب، (CNIPE بغية دمج هذه البيداغوجيا في السلكين المذكورين، مع ما يعنيه كل ذلك من تمويل ونفقات.
أشرنا إلى أن هذه البيداغوجيا تستهدف، تحديدا، تنمية الكفايات الأساسية المرتبطة بالتعليم الإلزامي، لذا يحق لنا أن نتساءل عن جدوى هذا التوجه في الوقت الذي حققت دول أخرى إنجازات هائلة بتبنيها مقاربات ومشاريع أكثر إدماجا ومدى وتطورا منها، على سبيل المثال، التربية مدى الحياة (EAV) والتربية للجميع (EPT) . كما أن التركيز على توطين واستنبات (Implantation) هذه البيداغوجيا، بهذا الشكل وبهذا السقف، تحديدا، في دول جنوب المتوسط، كتونس، الجزائر والمغرب وبعض دول إفريقيا (جيبوتي، غينيا بيساو...) يرسل الكثير من الإشارات المرتبطة بمفهوم السبق والتفوق التربوي والحضاري.
لقد وَجَّهت الدول الأوربية المجاورة لنا اهتمامها إلى تطوير تملك المتعلمين للكفايات المفاتيح (Les compétences clés)، فمثلا بالنسبة إلى التحكم في اللغات داخل الاتحاد، نشير إلى أن الإطار الأوربي المشترَك هو بمثابة مرجعية لتدريس اللغات(CECRL) ، والذي يعتبر مؤشرا على وجود سياسة لغوية واضحة ضمن الرهانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنافسية التي يسعى الاتحاد إلى تحقيقها. كما نجد في نفس الوقت أن كل بلد أوربي يتوفر على إطار مرجع خاص بالكفايات (Référentiel des compétences) المنشودة داخل كل دولة ضمن الاتحاد، حيث يتم التركيز على استعمال العقل وتعلم التعلم والتعرف على الذات وإبداء الرأي والاهتمام بالتعدد الثقافي والبعد الهوياتي والتعاطي مع المفاهيم العلمية والتكنولوجيات الحديثة وتطبيق المفاهيم العلمية في الإبداع والاختراع... بينما ما نزال في الدول النامية نبحث عن سبل اكتساب الكفايات الأساسية (Les compétences de base) في القراءة والكتابة والحساب، وهي كفايات سبق أن أبانت المدرسة الوطنية، بالرغم من تقليدانيتها، على علو كعبها في القدرة على تحقيقها. وفقا لهذا التوجه الجديد في أوربا، سنلاحظ أن التركيز على هذه الكفايات، بالتحديد، سيجعل من هذه البيداغوجيا وسيلة لإقصاء المتفوقين من المتعلمين الذين هم في أمس الحاجة إلى كفايات أخرى أكثر تطورا.
وحتى إنْ كان الأمر يتعلق بالكفايات الأساسية، فإننا نلاحظ أن هذه البيداغوجيا في حديثها عن الموارد(Ressources) انزلقت في تنظيراتها إلى مسلَّمة مفادها كون تلك الموارد، خارجية كانت أو داخلية، متوفرة لدى المتعلم، وبالتالي، فهي تحصيل حاصل وما عليه إلا تعبئتها وتجنيدها في سياقات ووضعيات مختلفة، بمساعدة المُدرَّس أو أي طرف آخر. وإذا كان جميع المتعلمين، بالنظر إلى الفوارق الموجودة أصلا، ليسوا متملكين للموارد الداخلية، من استعدادات ومبادئ أولية للتعلم والتعلم الذاتي وقدرات ومهارات وما إلى ذلك، فكيف يمكن أن نطالبهم، بالنظر إلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لمعظم أسرهم، بتوفير الموارد الخارجية التكميلية والمساعدة على التعلم، كما يطلق عليها ستيفن سيسي؟ وهي عوامل مرتبطة ببيئة التعلم لكنها مسؤولة، بدرجات متفاوتة، عن رفع القدرات التعلمية لدى المتمدرسين، وتتجلى في توفير بيئة ملائمة للدراسة داخل المنزل، مثل تخصيص غرفة خاصة للطفل ومكتبة ورواق مطالعة، دون أن نغفل الوسائل الحديثة للتعلم، والتي تدعو هذه البيداغوجيا إلى توظيفها: التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال (TICE) ، المعاجم الحديثة والموسوعات والبرامج الديداكتيكية المرقْمنة والمعدة خصيصا للتعلم الذاتي (Les logiciels didactiques) ومختلف الوسائط والمعينات الديداكتيكية الأخرى، بالإضافة إلى توفر قدر كافٍ من التعلم للآباء والأمهات يسمح لهم بمساعدة أبنائهم في الدراسة.
الآن، يبقى أن نتساءل هل كل هذه العوامل متوفرة، ولو في الحد الأدنى لدى جميع الأُسر المغربية وبنفس الوتيرة في كل المؤسسات التعليمية؟ نتساءل، أيضا، إذا كانت الموارد الخارجية مسؤولة عن رفع التعلمات، في ظل حرمان الكثيرين منها، ألن نكون مرة أخرى أمام مدرسة منافية لتكافؤ الفرص ومنافية للحق في التربية للجميع؟ بعبارة أخرى، ألن نكون أمام مدرسة قائمة على أساس إعادة الإنتاج وتأبيد نفس المواقع الاجتماعية السائدة، كما نبهنا إلى ذلك بورديو وباسرون وغيرهما من الدارسين وعلماء الاجتماع؟
عبدالله بن بيه - طالب مفتش في المركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم -الرباط
في أدبيات هذه البيداغوجيا: حاجيات، موارد، تأهيل، إدماج، تنمية، رسملة... وما إلى ذلك. وقد جاءت، كما يرى أصحابها في ما يعرف بمكتب هندسة التربية والتكوين (Le BIEF)، تحديدا، كجواب على الإقصاء الذي يعاني منه العديد من الأطفال البالغين سن التمدرس من ولوج التعليم الإلزامي إلى حدود 15 سنة، أي ما يوازي الابتدائي والإعدادي، مما قد يعتبر نقطة مضيئة تحسب لهذه البيداغوجيا.
كما هو معروف، يتحدث باسم هذا المكتب الدولي ناشطون تربويون ومستثمرون في هذا المجال، أبرزهم كزافيي روجيرز، باعتباره مختصا في تقديم خدمات في مجال التربية والتكوين وتدبير المشاريع للعديد من الدول، بموجب التعاقدات المبرمة مع المكتب المشار إليه مثل: بلجيكا، سويسرا، لبنان... وللإشارة، فقد استفاد هذا الخبير، بشكل ملفت في الآونة الأخيرة، من تطويره لما راكمه زميله جان ماري دوكيتيل في نفس المجال. ويعتبر المغرب من بين الدول التي اعتمدت منهجية روجيرز، في إطار توطين بيداغوجيا الإدماج ضمن النظام التعليمي، وتحديدا في السلكين الابتدائي والإعدادي منه. باختصار شديد، تطلبت هذه العملية الاستعانة بـ10 خبراء دوليين من المكتب كُلِّفوا بتأطير وإعداد 35 خبيرا وطنيا في إطار مهام المركز الوطني للتجديد البيداغوجي والتجريب، (CNIPE بغية دمج هذه البيداغوجيا في السلكين المذكورين، مع ما يعنيه كل ذلك من تمويل ونفقات.
أشرنا إلى أن هذه البيداغوجيا تستهدف، تحديدا، تنمية الكفايات الأساسية المرتبطة بالتعليم الإلزامي، لذا يحق لنا أن نتساءل عن جدوى هذا التوجه في الوقت الذي حققت دول أخرى إنجازات هائلة بتبنيها مقاربات ومشاريع أكثر إدماجا ومدى وتطورا منها، على سبيل المثال، التربية مدى الحياة (EAV) والتربية للجميع (EPT) . كما أن التركيز على توطين واستنبات (Implantation) هذه البيداغوجيا، بهذا الشكل وبهذا السقف، تحديدا، في دول جنوب المتوسط، كتونس، الجزائر والمغرب وبعض دول إفريقيا (جيبوتي، غينيا بيساو...) يرسل الكثير من الإشارات المرتبطة بمفهوم السبق والتفوق التربوي والحضاري.
لقد وَجَّهت الدول الأوربية المجاورة لنا اهتمامها إلى تطوير تملك المتعلمين للكفايات المفاتيح (Les compétences clés)، فمثلا بالنسبة إلى التحكم في اللغات داخل الاتحاد، نشير إلى أن الإطار الأوربي المشترَك هو بمثابة مرجعية لتدريس اللغات(CECRL) ، والذي يعتبر مؤشرا على وجود سياسة لغوية واضحة ضمن الرهانات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنافسية التي يسعى الاتحاد إلى تحقيقها. كما نجد في نفس الوقت أن كل بلد أوربي يتوفر على إطار مرجع خاص بالكفايات (Référentiel des compétences) المنشودة داخل كل دولة ضمن الاتحاد، حيث يتم التركيز على استعمال العقل وتعلم التعلم والتعرف على الذات وإبداء الرأي والاهتمام بالتعدد الثقافي والبعد الهوياتي والتعاطي مع المفاهيم العلمية والتكنولوجيات الحديثة وتطبيق المفاهيم العلمية في الإبداع والاختراع... بينما ما نزال في الدول النامية نبحث عن سبل اكتساب الكفايات الأساسية (Les compétences de base) في القراءة والكتابة والحساب، وهي كفايات سبق أن أبانت المدرسة الوطنية، بالرغم من تقليدانيتها، على علو كعبها في القدرة على تحقيقها. وفقا لهذا التوجه الجديد في أوربا، سنلاحظ أن التركيز على هذه الكفايات، بالتحديد، سيجعل من هذه البيداغوجيا وسيلة لإقصاء المتفوقين من المتعلمين الذين هم في أمس الحاجة إلى كفايات أخرى أكثر تطورا.
وحتى إنْ كان الأمر يتعلق بالكفايات الأساسية، فإننا نلاحظ أن هذه البيداغوجيا في حديثها عن الموارد(Ressources) انزلقت في تنظيراتها إلى مسلَّمة مفادها كون تلك الموارد، خارجية كانت أو داخلية، متوفرة لدى المتعلم، وبالتالي، فهي تحصيل حاصل وما عليه إلا تعبئتها وتجنيدها في سياقات ووضعيات مختلفة، بمساعدة المُدرَّس أو أي طرف آخر. وإذا كان جميع المتعلمين، بالنظر إلى الفوارق الموجودة أصلا، ليسوا متملكين للموارد الداخلية، من استعدادات ومبادئ أولية للتعلم والتعلم الذاتي وقدرات ومهارات وما إلى ذلك، فكيف يمكن أن نطالبهم، بالنظر إلى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لمعظم أسرهم، بتوفير الموارد الخارجية التكميلية والمساعدة على التعلم، كما يطلق عليها ستيفن سيسي؟ وهي عوامل مرتبطة ببيئة التعلم لكنها مسؤولة، بدرجات متفاوتة، عن رفع القدرات التعلمية لدى المتمدرسين، وتتجلى في توفير بيئة ملائمة للدراسة داخل المنزل، مثل تخصيص غرفة خاصة للطفل ومكتبة ورواق مطالعة، دون أن نغفل الوسائل الحديثة للتعلم، والتي تدعو هذه البيداغوجيا إلى توظيفها: التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال (TICE) ، المعاجم الحديثة والموسوعات والبرامج الديداكتيكية المرقْمنة والمعدة خصيصا للتعلم الذاتي (Les logiciels didactiques) ومختلف الوسائط والمعينات الديداكتيكية الأخرى، بالإضافة إلى توفر قدر كافٍ من التعلم للآباء والأمهات يسمح لهم بمساعدة أبنائهم في الدراسة.
الآن، يبقى أن نتساءل هل كل هذه العوامل متوفرة، ولو في الحد الأدنى لدى جميع الأُسر المغربية وبنفس الوتيرة في كل المؤسسات التعليمية؟ نتساءل، أيضا، إذا كانت الموارد الخارجية مسؤولة عن رفع التعلمات، في ظل حرمان الكثيرين منها، ألن نكون مرة أخرى أمام مدرسة منافية لتكافؤ الفرص ومنافية للحق في التربية للجميع؟ بعبارة أخرى، ألن نكون أمام مدرسة قائمة على أساس إعادة الإنتاج وتأبيد نفس المواقع الاجتماعية السائدة، كما نبهنا إلى ذلك بورديو وباسرون وغيرهما من الدارسين وعلماء الاجتماع؟
عبدالله بن بيه - طالب مفتش في المركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم -الرباط
sadraoui1- عضو نشيط
- عدد المساهمات : 66
نقاط : 50747
السٌّمعَة : 16
تاريخ التسجيل : 16/07/2009
العمر : 46
رد: في نقد الأُسس النظرية لبيداغوجيا الإدماج
جعلها الله لك في ميزان حسناتك ان شاء الله.
zaf- مشرف عام
- عدد المساهمات : 24
نقاط : 49309
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 06/12/2009
العمر : 43
مواضيع مماثلة
» كراسات الإدماج للمشترك 5+6
» دلائل الإدماج للأقسام المشتركة 5+6
» بيداغوجيا الإدماج تطرق أبواب المؤسسات التعليمية من جديد
» دلائل الإدماج للأقسام المشتركة 5+6
» بيداغوجيا الإدماج تطرق أبواب المؤسسات التعليمية من جديد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى